رمى الحبيب المالكي، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الكرة في ملعب وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وذلك عند استعراضه، الثلاثاء، جملة من الإشكاليات التي تعاني منها منظومة التوجيه المدرسي، إذ اعتبر أن هذه الأخيرة “تعاني من المحدودية وضعف النجاعة”.
وكان المالكي خلال كلمته الافتتاحية للدورة السادسة من الولاية الثانية للمجلس الذي يرأسه، وهو ينادي بتسريع الإصلاح في سنة 2025، أحال على “التقرير التحليلي حول منظومة التوجيه”، مبيّنا أن “نظام التوجيه المدرسي كما هو ممارس داخل المنظومة التربوية، مازال لم يستوفِ بعد شروط الوجاهة، والنجاعة، والفعالية، والاستدامة”.
وبالنظر إلى كونه “يعاني من أوجه المحدودية”، شدد المسؤول ذاته على “ضرورة الإسراع في إنشاء الوكالة الوطنية للتوجيه لوضعه في قلب النموذج البيداغوجي والعملي طوال المسار الدراسي إذا كنا نريد تكريس مبدأ الإنصاف والجودة والرقي بالفرد والمجتمع”، وفق تعبيره.
علاقة بالموضوع، حدّد مقرر لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مؤرخ بـ 24 دجنبر الجاري، مسطرة التوجيه المدرسي والمهني، برسم سنة 2025، تخص مختلف المستويات، ابتداء من 28 فبراير بمقبل، على أن تمر من مجموعة من المراحل التي تخص التلاميذ والإدارة التربوية والمستشارين في التوجيه التربوي، وبالاستعانة بمنظومة “مسار”.
ضرورة إعادة النظر
متحدثا عن الموضوع، قال عبد العزيز سنهجي، خبير في مجال التربية والتوجيه، إن “ضعف حلقة التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي في النظام التعليمي المغربي لا يرجع فقط إلى أزمة وسائل أو هياكل أو بنيات، أو حتى أزمة نصوص وتنظيمات وإجراءات، بل تكمن المشكلة، إلى جانب هذه العوامل، في أزمة منظومة بأكملها؛ فهذه الأزمة تتغذى من الغموض والضبابية التي لا تزال تحيط بأهداف منظومة التوجيه، وتتفاعل مع أزمة نظام التربية والتكوين وأزمة النظام السوسيوــ مهني”.
وضمن إفادته التي قدمها لالألباب 360، بيّن سنهجي أن “التفكير في تصحيح هذا الوضع أو على الأقل التخفيف من حدّته، لا يمكن أن يتم إلا من خلال تشخيص موضوعي وعميق لمكونات هذه الأزمة، حيث يجب أن ينطلق هذا التشخيص من إعادة تدقيق منظومة التوجيه وتحديد موقعها داخل النموذج البيداغوجي بمختلف مكوناته ومستوياته”، موضحا أنه “أصبح ضروريا التفكير في تصور شامل للتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، يقطع مع التدبير القطاعي لصالح تدبير تشاركي أفقي على مستوى الجهات”.
كما سجّل أنه “في ظل التوجه الذي تسلكه الدولة المغربية نحو ترسيخ الجهوية المتقدمة، يبدو لي أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء آلية أو مجلس جهوي للتنسيق يتولى إعداد السياسات العمومية الجهوية المتعلقة بالتأطير والتنسيق والمواكبة؛ فهذه المجالس ينبغي أن تضم ممثلين عن القطاعات المعنية بالتربية والتكوين والتشغيل، مثل التعليم المدرسي والتعليم العالي والتكوين المهني والجماعات الترابية والمجالس الجهوية للاستثمار ووكالات إنعاش التشغيل والكفاءات والاتحاد العام لمقاولات المغرب”.
وشدد الخبير ذاته على أن “تعميم العمل بمقتضيات المشروع الشخصي للمتعلم/الفرد/المواطن، سواء كان دراسيا أو مهنيا أو مقاولاتيا أو حياتيا، خطوة محورية في إصلاح منظومة التوجيه. فهو الإطار الذي يساعد عبره هذا المشروع المتعلم على إبراز إمكاناته، والتعبير عن اهتماماته، وتعزيز استقلاليته في ظل بيئة تكوينية واجتماعية متغيرة باستمرار. علاوة على ذلك، يمكّن المشروع الشخصي من هيكلة تفكير المتعلم وترصيد جهوده وتنظيم سلوكه، مما يتيح له بناء استراتيجيات قابلة للتكيف، توسع دائرة الخيارات الممكنة أمامه وتفتح له آفاقا جديدة للمستقبل”.
بناء قرار التوجيه
جمال شفيق، خبير مفتش تربوي مركزي سابق، أكد من جهته أن “موضوع التوجيه بالمغرب يعرف إشكالية بنيوية ومركزية، إذ إن هذا الورش ما يزال يقصر على المعدلات التي يحصل عليها التلاميذ، وهذه الأخيرة هي التي تحدد مسارهم المهني والأكاديمي، وهو ما لا يصح على العموم الأخذ به كمنهج”.
وأضاف شفيق، في تصريح لالألباب 360، أن “الأصل هو أن يتم العمل على بناء قرار اختيار شعبة معينة خلال مدة مطولة، حيث يجب أن يكون الأمر مرتبطا أساسا برغبة التلميذ في ذلك وميوله نحو موضوع معين، مع مواكبة خلال فترة معينة من قبل المختصين في التوجيه من أجل دفعه نحو اختيار القرار المثالي”.
وبيّن المتحدث أن “عملية التوجيه بالمغرب ما تزال تحكمها مجموعة من الأمور، منها مسألة النقاط التي أشرنا إليها، فضلا عن العمل دائما على ربط ذوي المعدلات المتواضعة بالشعب الأدبية وأصحاب المعدلات المرتفعة بالشعب العلمية”، مؤكدا “حلول الوقت من أجل إعادة النظر في كل هذه المسائل، بما يسمح بعقلنة عملية التوجيه وجعلها تمكننا من نتائج إيجابية”.
وعاد المتحدث ليشير إلى أن “بناء قرار التوجيه يجب أن يكون بمثابة مشروع يتم العمل عليه إلى جانب التلميذ أو المتمدرس على مدار فترة طويلة ومحددة، وذلك بعدما يُظهر مجموعة من الإشارات الإيجابية في هذا الصدد، بما فيها ميله الدراسي لشعبة أو توجّه معين يرى فيه مسارا جامعيا يمكن العمل عليه”.
تعليقات
0