“أصداء زئير يمتد لآلاف السنين” يروي قصتها علميا وتاريخيا “كتاب بديع” صدر عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل حول “أسد الأطلس” باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، أشرفت على إعداده لجنة علمية تضم عبد الجليل بوزوكار، وهشام العثماني، وثريا محسن.
لا يقدم هذا المؤلفُ كبيرُ الحجم أجوبة فقط بالاستناد إلى علم الآثار والتاريخ، بل يعرض فرضيات علمية متعددة، ويتشبّث بضرورة العمل المشترك بالاستناد إلى المعرفة العلمية، في القادم من الأبحاث، والتحليلات لمعرفة التراث الجيني لأسد الأطلس بشكل أفضل، والسعي لإعادة توطينه في البرية التي انقرض فيها منذ النصف الأول من القرن العشرين.
“أسد الأطلس”
يقدم هذا العمل تاريخ أسد الأطلس، منذ الأصول الأولى وصولا إلى “آخر أسد” في البرية، ويعرّف بالخصائص المميزة لشكله، وموطنه، ونظامه الغذائي، وسلوكه الاجتماعي، وخصائصه الجينية، ويعرّف بجهود الحفاظ عليه في مشاريع إعادة التوطين، وبرامج التكاثر في الأسر، مع تحديات ذلك.
كما يهتم الكتاب بـ”أسد الأطلس” في الثقافة والفن والمِخيال، من حيث رمزيته وأهميته في عدد من ثقافات العالم والقارة الإفريقية خاصة، وتأثيره على الفن والأدب، والحضور في “الرموز الوطنية”. وكتب محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، في هذا الإطار مقدّما “الكتاب البديع” الذي “يحكي هذه اللوحة اللافتة للنظر، حيث تتقاطع وتتشابك خطوط علم الحيوان والتاريخ وعلم الأعراق البشرية والأساطير والثقافة، لأن أسد الأطلس يمنحنا الفرصة ونحن نحكي قصته لنسرد قصتنا نحن أيضا، في تعقيدنا الثقافي والهوياتي، وفي تجربتنا المادية والخيالية”.
ثم أردف قائلا: “هذا ما يفسر ثراء فصول هذا الكتاب، التي تحرص على أكثر من مجرد مرافقة الصور واللوحات الرائعة لهذا الحيوان الرمز: النص هنا أكثر من مجرد تعليق، إنه عمل حقيقي من الإلمام المعرفي والبيداغوجي، بل ويمزج بين العلم والبساطة المواضيعَ التي يتناولها، سواء كان موضوع علم الحيوان أو الرسم الاستشراقي، علم الاجتماع أو علم النبات، كما أن الصور مختارة برؤية جمالية حقيقية”.
“جزء من تاريخنا”
عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، كتب بدوره أن الحديث عن “أسد الأطلس” حديثٌ عن “جزء من تاريخنا”، و”هذا الكتاب يأتي لملء فراغ حول هذا الحيوان الذي كان حاضرا دائما على الأرض المغربية لعدة آلاف من السنين”.
وتابع: “أبرزت الأبحاث الأثرية وجود عظام أحفورية لحيوان دينوفيليس، الذي قد يكون سلف أسد الأطلس، مؤرخة بـ 2.5 مليون سنة. لقد اعتقدنا لفترة طويلة أنه كان موجودا فقط في منطقة الدار البيضاء، ولكن التحقيقات الجديدة في المنطقة الشرقية المغربية كشفت عن عظام أحفورية أخرى هناك”.
هكذا، و”منذ ذلك التاريخ، تطور أسلاف أسد الأطلس إلى الشكل المعروف حاليا بالاسم العلمي بانثيرا ليو ليو. وبدأت سلالة أسد الأطلس في التحديد بين 400 و300 ألف سنة، كما تشهد على ذلك الحفريات من المواقع ما قبل التاريخ في الدار البيضاء وجبل إيغود. وفي وسط غرب المغرب، وتحديدا في كهف بزمون في الصويرة، تم اكتشاف حفريات أخرى لأسد الأطلس تعود أعمارها بين 110 و100 ألف سنة. كما شهدت الفترات التاريخية وجود أسد الأطلس، كما تشهد على ذلك روايات الرحالة والمؤرّخين منذ العصور القديمة، وقد تم قتل آخر أسد في النصف الأول من القرن العشرين”.
لكن، “مع ذلك، أُنقذ هذا الحيوان من الانقراض بفضل العائلة الملكية التي تمكنت من الحفاظ عليه في الحديقة الملكية التي تضم بين حيوانات أخرى، أسود الأطلس التي تم التبرع بها لحديقة الحيوانات في الرباط”.
المغرب وأسد الأطلس
يوضح “الكتاب البديع” أنه في المغرب تم تصوير الأسد في لوحات تعود إلى العصر الحجري، بمختلف المواقع الأثرية الموجودة في جبال الأطلس بالمغرب، ويردف: “كما يحضر في الأدب الأمازيغي بما في ذلك الأغاني والقصص والأساطير، كما أن بعض المدن المغربية لا تزال تحمل أسماء ترمز إلى الأسد، مثل “واد زم” التي تعني “نهر الأسد.”
ويتتبع الكتاب أسد الأطلس في معتقدات مغربية في علاقته بصوفيِّينَ مثلا، كما يتتبّعه في نقوش المغرب القديم، وصولا إلى لوحات أوجين دولاكروا في القرن التاسع عشر، وفي الأدب والسينما، فضلا عن “التجسيد التاريخي لعرش المملكة المغربية حيث يجلس على جانبَي التمثيل الرسمي للملكية”، ثم “تبني الفريق الوطني لكرة القدم هو الآخر رمزية الأسد”.
ويتابع: “كانت العديد من المستوطنات على الساحل الأطلسي المغربي في العصر الروماني، بما في ذلك الداخل، تعرض الأسد كرمز للوحدة تحت السيطرة الرومانية. وكان الأسد موجودا على الأعلام، وعلى المنحوتات في المباني الرسمية، وأيضا على أختام الجنرالات السيادية”، لكن قبل هذه الفترة “كان أسد الأطلس حاضرا بالفعل في جميع المناطق الجبلية للمغرب القديم، في شكل لوحات صخرية، ونقوش، وصور بيانية، ونقوش صخرية”.
هذا المرجع الذي ترافقه صور ورسومات ونقوش، يقول إن “استعادة أسد الأطلس جهد دولي تشارك فيه العديد من المؤسسات ومنظمات الحفاظ على البيئة، ومن الضروري التعاون بين حدائق الحيوان ومراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية لتبادل الموارد والمعرفة والحيوانات من أجل التكاثر”.
لكن، لا يقصر الكتاب هذه الاستعادة على التنسيق المغربي مع باقي المؤسسات العلمية الدولية، بل ينادي بـ”تفعيل استراتيجية إعادة التشجير”؛ لأن هذا “يعد عنصرا أساسيا لاستعادة موطن أسد الأطلس. ومن الضروري بشكل خاص إعادة زراعة الغابات التي تجمع بين أشجار البلوط الفليني والنباتات المستوطنة، وحمايتها من قطع الأشجار المفرط أو غير القانوني”؛ فمن شأن هذا “إعادة موطن الأسد، وتعزيز التنوع البيولوجي وحيوية النظم البيئية المحلية”.
كما يوضّح أن “التدبير الجيد للمياه ركيزة أساسية في عملية إعادة التوطين، من جهة كون عملية استعادة وحماية الينابيع والأنهار تضمن للأسود ولجميع الحيوانات التزود بمياه الشرب بشكل مستمر”، إضافة إلى أن “استعادة موطن أسد الأطلس أيضا تتطلب الحفاظ على الفرائس الطبيعية للحيوان، من قبيل الغزلان والخنازير البرية، كما يجب التحكم في أعداد هذه الحيوانات وحمايتها من الصيد الجائر”، و”من الضروري إشراك السكان في حماية موطن الأسد. وتشجيع المجتمعات المحلية على المشاركة بفعالية في الحفاظ على بيئتها الطبيعية من خلال برامج التوعية والتعليم البيئي”.
ويختم “الكتاب البديع” المهتم بـ”أصداء زئير يمتد لآلاف السنين”، بالقول: “أسد الأطلس، الذي كان ملكا للجبال والسهول المغربية، شهد انقراض مملكته تحت الضغط البشري. ولكن هذا الانقراض لا يجب أن يختم مصيره. إنها مسؤوليتنا الجماعية لإعادة تأهيل هذا النوع الرمز، واستعادة مواطنه الطبيعية، وحماية أحفاده المحتملين”، و”بالعمل معا من أجل هذه القضية النبيلة، نقدم لأطفالنا فرصة لسماع هذا الزئير العريق مرة أخرى، كصدى قوي للطبيعة البرية”.
تعليقات
0