صدر، حديثا، عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث، مؤلف جماعي بعنوان “دور العمل التطوعي في بناء المجتمع المغربي”، نسق فصوله عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بمراكش، وادريس جردان، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، ومنير عزاوي، المندوب الجهوي لمؤسسة هانس زايدل اللألمانية.
يقع المؤلف في 561 صفحة، ويضم 13 فصلا باللغة العربية، و8 فصول باللغتين العربية والإنجليزية، ناقشت موضوع التطوع، سواء في المغرب أو التجارب المقارنة، في علاقته ببناء المجتمعات الحديثة، إذ شكل العمل التطوعي محور اهتمام الأمم المتحدة التي أقرت برنامج متطوعي الأمم المتحدة “United Nations Volunteers” عبر الجمعية العامة عام 1970، وهو برنامج يحتضن العمل التطوعي في العالم، ويهدف إلى دعم التنمية البشرية المستدامة وتحقيق السلام، ثم أقرت الجمعية العامة اليوم العالمي للمتطوعين سنة 1985، الذي يحتفل به يوم 5 دجنبر من كل عام.
كما اندرجت في العقود الأخيرة من القرن الحالي، مجالات جديدة تحت لواء التطوع، لا سيما ما أصبح يعرف بالتبرع بالأعضاء الحيوية، وهو نوع من التطوع وشكل من أشكاله، سواء في الحياة أو بعد الممات، من أجل إنقاذ حياة أناس يحتاجون إلى هذه الأعضاء لحياة أفضل، مع مراعاة القوانين الجاري بها العمل، دون إغفال ما يعرف بالتبرع بالدم. كما انضافت إلى المدونات التشريعية في التجارب المقارنة وفي المغرب العديد من النصوص القانونية التي رامت تنظيم العمل التطوعي، والتشجيع عليه، سواء من خلال حماية المساهمين فيه أو تمكينهم من تحفيزات مالية وضريبية من شأنها بعث الحياة فيما يتصل بالعطاء المادي.
في هذا الأفق، جاء هذا الكتاب الذي قاربت أبحاثه مداخل ومحاور مختلفة ومتكاملة:
ناقش إدريس قسيم في البحث الأول إدعاء البعض وجود فجوة تطوعية بين دول الشمال ودول الجنوب، حيث جادل بأن ثمة ثلاثة تفسيرات تدحض هذه المقولة هي: تحديات قياس العمل التطوعي، والتمايز الحاصل بين العمل التطوعي الرسمي وغير الرسمي، وخصوصية التطوع الثقافية والاجتماعية والدينية في دول الجنوب.
أما إدريس الدريسي فقد توخى في دراسته الوقوف على أهمية العمل التطوعي في حياة الفرد والجماعة، لا سيما لحظات الأزمات والمخاطر التي تظهر بشكل مفاجئ، وتكون لها انعكاسات مختلفة على حياة الناس، مثل ما وقع في حدث زلزال الحوز، ومن قبله مع جائحة كورونا، اللذين عصفا بالعديد من المسلمات، مما دفع السلطة السياسية إلى الارتكاز على المقاربة التشاركية الداعمة إلى روح المسؤولية الاجتماعية، وخلق ثقافة التدبير الجماعي المنظم والمهني.
ثم تأتي دراسة ابتسام الوالي التي حاولت من خلالها استخلاص العلاقة التكاملية بين مقصد حفظ العمران ومقصد حفظ العمل التطوعي، واستهدفت كذلك البحث عن الوظائف التي يقوم بها العمل الطوعي في بناء العمران الذاتي، والعمران المجتمعي.
توقف محمد الفيلة في دراسته عند نظام الوقف في الإسلام، والإسهامات الكبيرة التي قام بها في تحقيق التنمية الشاملة في التاريخ الإسلامي، لهذا فإنه مازال اليوم قادرا على تقديم الكثير من الحلول الناجعة والمستدامة، مثل محاربة الكثير من الظواهر السلبية، كالفقر، والهشاشة، وتدني الخدمات الصحية، وضعف مستوى التعليم، وغير ذلك.
من جانبه، ناقش عبد السلام الزبخ في دراسته سياقات صدور القانون 06.18 المتعلق بتنظيم العمل التطوعي التعاقدي في المغرب، وذلك من خلال إبراز الإمكانات القانونية المتاحة أمام النسيج الجمعوي من أجل تيسير عمله وتطوير أدائه، وكذلك من خلال إبراز الحدود القانونية والعملية التي تحد من انخراط العمل التطوعي في الإسهام في التنمية المستدامة، والسبل الكفيلة بتجاوز تلك الحدود.
أما لمياء العمراني فقد بحثت موضوع العمل التطوعي في المغرب بين التأهيل القانوني والممارسات البيروقراطية، معتبرة أن الصعوبات التي يواجهها العمل التطوعي، سواء بسبب الإشكالات القانونية أو نتيجة الممارسات البيروقراطية، قد تكون من أهم العوامل التي تقف حجر عثرة أمام نهوض المجتمع المدني بمهامه في المجتمع، وذلك رغم المكانة التي منحها الدستور المغربي للعمل التطوعي.
تناولت دراسة فهد صبرو بالبحث التجربة الكورية في دعم الدول النامية، وذلك من خلال الوكالة الكورية للتعاون الدولي، حيث اكتشفت كوريا في مراحل لاحقة أن ما تقدمه فرصة يمكن أن تعود عليها هي نفسها بالنفع. وهكذا تمّ تبني خطة تقضي بإرسال متطوعين هم اليوم بمثابة سفراء للعلامة الكورية بالدول المستهدفة، والتي في الحقيقة لا تعدو كونها أسواقا واعدة بالنسبة للاقتصاد الكوري.
نجد بعد ذلك دراسة طارق الحجوجي التي سعى من خلالها إلى إبراز الدور المهم الذي تلعبه الأطر الصحية بالمغرب في العمل التطوعي وإدارة المخاطر وفق بروتوكولات محددة ومضبوطة، بالإضافة إلى تبيان المسؤولية المدنية والجنائية التي يتعرض لها الأطباء والممرضون في حالات العمل العادية أو في الحالات الاستثنائية.
مصطفى بوقدور عمل في مقاله على تحليل موضوع تضمين المناهج التعليمية مدخل التربية على القيم بالمدرسة المغربية، وعدّه حاصل اعتبارات بيداغوجية وديداكتيكية مهمة. بيد أن التحولات المجتمعية التي عرفها المغرب تفرض-في نظره-إعادة النظر في طريقة رسم الدوائر القيمية، بالارتكاز على القيم العلائقية، التي تدخل في دائرتها قيمة التطوع، وليس على القيم الذاتية التي تدخل في دائرتها قيمة الفضيلة وقيمة الواجب والقيم الحقوقية وقيم المواطنة…
واستهدف عبد الفتاح محفوظ في بحثه دراسة قيمة التطوع في الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية بالسلك الثانوي التأهيلي وصفا وتحليلا واستنتاجا، على اعتبار أن مادة التربية الإسلامية من المواد الدراسية الحاملة للقيم.
من جهته، حاول مصطفى فاتيحي الوقوف عند مدى اهتمام المنهاج الدراسي المغربي بقيم التطوع، من حيث امتلاك تصور شامل في الموضوع، وفي الوقت نفسه اقتراح سبل التطوير والبناء على المتحقق وتثمين المكتسبات. ولبيان ذلك ركز على منهاج مادتي التربية الإسلامية والفلسفة.
أما وفاء رزوق فسلطت الضوء في مقالها على دور النساء المغربيات في العمل التطوعي، فرغم التحديات مثل: الظروف المعيشية والقيود الثقافية، إلا أن النساء المغربيات يسعين بشكل فعال إلى المشاركة في الأنشطة التطوعية، ساعيات إلى تحقيق التمكين الشخصي، والمساهمة في التطوير الاجتماعي، وتتنوع مساهماتهن في مختلف المجالات، من التعليم إلى الرعاية الصحية، ويمكن أن يشكل تفاعلهن الفعال مصدر إثراء للمجتمع.
بحثت دراسة أسماء شطيبي العلاقة بين العمل التطوعي الرقمي والرأسمال الاجتماعي الواقعي والافتراضي، وذلك باعتبار أن التطوع الرقمي يستطيع أن يحقق ما يعجز عنه التطوع العادي، سواء على مستوى طرح الأفكار والمشاريع، أو الوصول إلى الدعم، أو تقديم الدورات والاستشارات عن بعد، أو نشر الخير وتعميه.
تناولت دراسة يسرى قاضي دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تعزيز التنمية المستدامة في المغرب من خلال استعراضها الحاجة الملحة للتكيف داخل النموذج الاقتصادي التقليدي لمواجهة التكاليف الاجتماعية والبيئية التي غالباً ما تُعتبر خارجية في عمليتي الإنتاج والاستهلاك. في هذا السياق الديناميكي، يبرز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (SSE) كنهج مميز وواعد، يتميز بالتزامه التاريخي بدمج المهام الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
بحث إسماعيل أبو نعيم العمل التطوعي وديناميات النوع الاجتماعي في سياق المجتمع المعاصر، مسلطًا الضوء على تجارب المتطوعات والمتطوعين في جمعيات المجتمع المدني في جهة مراكش-آسفي، مبرزًا الدور الفعّال الذي يقوم به العمل التطوعي في تعزيز التماسك الاجتماعي ودعم القضايا المجتمعية، مما يعزز من قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة التحديات الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة.
ناقش الباحثان الراشق آسية والعاصر عبد الرزاق الأبعاد السياسية والديناميات الجيو-سياسية التي تتداخل مع مفهوم المساعدات الإنسانية في العلاقات المعاصرة بين الدول، حيث ترتكز الدراسة على تحليل الخطاب النقدي المستند إلى الدراسات الخطابية الاستعمارية لفحص كيفية تمثيل وتوظيف المساعدات الإنسانية، التي يُفترض أنها فعل تضامني، في الخطاب السياسي الفرنسي المحيط بالسياق الدبلوماسي المتوتر بعد رفض المغرب قبول المساعدة الفرنسية عقب زلزال 2023. كما سلطت الدراسة الضوء على التأثير المستمر للعهد الاستعماري على العلاقات الدبلوماسية الحديثة، وكيف يمكن أن تعكس المساعدات الإنسانية أجندات وطنية وتديم عدم المساواة الموروثة من الحقبة الاستعمارية.
فيما ناقشت الدراسة المقدمة من قِبل رشيد أمين دور التطوع في تعزيز الهويات الفردية والجماعية في مدينة مكناس، واستكشف السيناريوهات المستقبلية للمدينة، مع الأخذ بعين الاعتبار تحديات وتطلعات الفاعلين المحليين. وتهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على إمكانات التطوع كوسيلة لتعزيز الديناميكيات الهوياتية في الفضاء التراثي، وكذلك تحديات وفرص التنمية المستدامة والشاملة لمدينة مكناس.
يجدر التنويه إلى أن هذا الكتاب تم إهداؤه إلى روح المرحوم أحساين سليمان (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، قيد حياته) الذي وفاته المنية أياما قليلة بعد إرساله دراسته للنشر ضمن هذا الكتاب التي تناول فيها مساهمة العمل العمل التطوعي في حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة.
تعليقات
0