احتفاء بالهجرات وما ينبثق عنها من غنى ثقافي واجتماعي وإبداعي شهدته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، الأربعاء بالرباط، بمناسبة “18 دجنبر” اليوم الدولي للمهاجرين، الذي أحيته “المنظمة الدولية للهجرة في المغرب” التابعة للأمم المتحدة.
وعرف هذا اليوم احتفاء بالهجرة وغناها، وحقوق الإنسان، في أنشطة ثقافية، ونقاشات ومداخلات، وعرض لمنتوجات عرضها مقيمون بالمغرب من مختلف الجنسيات، وتذوق مفتوح لمطبخ العديد من دول القارة الإفريقية، وفقرات موسيقية متعددة المشارب.
وفي فقرة حوارية معه، قال المخرج نبيل عيوش إن “المكان والهوية” أمران ساءَلاهُ “بشكل لاذع دائما، ولذا قبلت الحضور من أجل هذه القضية العادلة، ولأني منذ طفولتي كان لدي سؤال: ما مكاني؟ وهو سؤال يطرحه المهاجرون أيضا، لأسباب متعددة، عندما يرون أن مكانهم في مجال آخر، لا في الذي يوجدون فيه، فيبحثون عنه.”
وتحدث عيوش عن الهجرة التي معها “نُحضر هويتنا، البسيطة أو الأكثر تركيبا أو المشتركة، ونأتي للتشارك مع هويات أخرى، ونتبادل أحيانا”. واسترسل قائلا: “السينما يمكنها تغيير الكثير، انطلاقا من لحظة اختيار فتح ضميرنا أمام عمل من الأعمال لدى مشاهدته. وهي جزء من الفنون المعاصرة التي تنتشر كثيرا، وتمكن من فتح نوافذ على العالم، وتخلق تقاربا، وتمكن من رؤية أناس ليست لنا عادة لقائهم، والسفر واكتشاف أناس ومجالات بعيدة، وهذا الجميل في الأفلام لأن لها أثرا، وتسافر بمواضيعها وممثليها، وتُرينا أشياء ليست لنا عادة اللقاء بها، ومن بين ما تطرحه سؤال الهجرة والخوف من الآخر الذي لا يشبهك، بسبب تعلمنا محبة ما يشبهنا منذ الصغر، وأمام الاختلاف يبقى سؤال هل نتقبله أم نرفضه، أن نبدل البراديغم، وكيفية رؤيتنا للأشياء، ومن الأدوات (لتغيير البراديغمات) السينما، وفنون تطورت مثلها بسبب حركية الهجرة، فهي بدأت في فرنسا مع الأخوين لوميير، وتطورت في أمريكا بفضل مهاجرين قدموا من أوروبا الشرقية”.
وأضاف أن “الفنون أغنتها الهجرة بفضل تنقل الفنانين، والرؤى، والأغذية الثقافية. كما أن الأفلام والموسيقى والمؤلفات الإبداعية لا تحتاج تأشيرة للعبور من بلد لآخر ومن قارة لأخرى”.
ومع “من يبحثون دائما عن شكل تبسيطي للإنسان، لأن لنا مشكلا كبيرا مع التركيب والتعدد”، يتابع المخرج السينمائي، “من المهم أن نحكي سرديتنا الخاصة في عالم تلعب فيه السرديات دورا مهما، وفيه أناس يتقنون تطويع الأدوات ويفرضون عليك سردياتهم الخاصة، ويمكن أن ينسبوا أحيانا حتى سرديتك إليهم. وعلينا أن نحكي حكاياتنا، وننتقل بها إلى شكل من العالمية، بفخر بهويتنا، وإرادة للتشارك”.
لورا بالاتيني، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة بالمغرب، ذكرت من جهتها أن “الهجرة تشكل أمرا طبيعيا مركزيا في تاريخ الإنسانية، التي هاجر أناسها وسيهاجرون، وهي فرصة عظيمة أيضا”، مستشهدة بقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إن الهجرة ليست مشكلا لعلاجه، بل فرصة ينبغي استثمارها”.
وتابعت قائلة: “ينبغي التفكير في الطريقة التي يُغْني بها المهاجرون مجتمعاتنا بمعارفهم ومواهبهم وإسهاماتهم الفريدة، فهم أفراد ذوو قصص وأحلام وتطلعات، يحضرون معهم ليس قوة العمل فقط، بل ثقافتهم وإبداعهم أيضا، ومعهم يوجد غنى لا يقدّر للمجتمعات”.
ونادت المتحدثة بحماية حقوق الأفراد المهاجرين وكرامتهم “بعيدا عن العوائق والوصم والعنف لضمان أن كل شخص مهاجر يعيش في كرامة، مما يتطلب عملا جماعيا من الحكومة والمجتمع المدني والمواطنين (…) في سبيل حقوق الإنسان للاندماج وعدم التمييز، والتبادل الثقافي، والحوار بين الثقافات”، مشيرة إلى أن “المغرب يلتزم في تسهيل الهجرة النظامية، وندعمه في ذلك” لأنها “فرصة للغنى المتبادل، والاحتفاء بالغنى الذي توفره الهجرة”.
فؤاد القدميري، مدير الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الشؤون الخارجية، تحدث بدوره عن الهجرة بوصفها “ظاهرة عالمية طبعت تاريخ الإنسانية، وكانت في أصل بداية العديد من الحضارات”.
وتابع متطرقا إلى وضع المهاجرين الذين “غادروا بلادهم، في سبيل مستقبل أفضل، وغيروا الثقافة ونمط العيش والفكر (…) والبعض يهاجر من أجل فرص اقتصادية، أو للحاق بأصدقاء، وآخرون للهرب من صراعات وعدم استقرار، والتغير المناخي والكوارث الطبيعية الأخرى”.
وذكر أن “المغرب كان دائما ملتقى للحضارات والثقافات”، مع حديثه عن “السياسة الجديدة للهجرة” منذ سنة 2013، التي واكبت تحول المغرب إلى بلد للاستقرار، لا بلد للأصل فقط، أو بلد للعبور، مع تذكيره بأن الملك محمد السادس، الذي “يدافع على مصالح القارة الإفريقية”، دعا إلى مقاربة موضوع الهجرة “بمقاربة شاملة وإنسانية في إطار القانون الدولي والتعاون البَيْنِي”.
تعليقات
0