كشف التقرير حول “السياسة النقدية”، الذي قُدم وتدارسه أعضاء مجلس البنك المركزي المغربي في آخر اجتماع لهم برسم السنة المالية 2024، عن آفاق اقتصادية عالمية مازالت موسومةً بـ”عدم يقين مهمين”، رغم إشارته الدالة إلى ما أبان عن الاقتصاد من “مرونة نسبية، ولكن مازالت آفاقه المستقبلية غير مؤكدة وتميل بشكل عام نحو التباطؤ”.
وردَ هذا في الفصل المتعلق بـ”الآفاق متوسطة المدى وتوازنات المخاطر”، إذ سجلت الوثيقة في خلاصاتها أنه “من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.2% متم هذا العام إلى 2.9% عام 2025 ثم 2.8% عام 2026″، وهو ما يبرز الفرضية الراجحة بـ “تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي على مدى أفق التوقعات”، حسب تعبير بنك المغرب، الذي يتفاءل، في المقابل، بأداء متطور إيجابياً على المدى المتوسط بالنسبة لقطاعات تصديرية (مثل صناعة السيارات)، فضلا عن “ارتفاع مداخيل الأسفار وتحويلات مغاربة العالم”؛ بما يصبّ في خلاصة بارزة: “توطيد النمو الاقتصادي للمغرب على المدى المتوسط”؛ رغم تنبيهات واضحة إلى “عدم توقع سياسات ترامب التجارية وخطر تفاقم إجهاد المياه والجفاف”.
التجارة الخارجية
على الصعيد الوطني بصَم عام 2024، حسب ما استقرأته الألباب 360 في التقرير ذاته، على “انتعاش ملحوظ في التجارة الخارجية للسلع”، لافتا إلى “زيادة الصادرات بنسبة 5.5 في المائة وارتفاع الواردات بنسبة 4.6 في المائة”.
وبعد “شبه ركود” سجلته سنة 2023 تبدو آفاق أبرز مؤشرات المبادلات الخارجية متسارعة، مع “انتقال وتيرة ارتفاعها من 5,5 هذه السنة إلى 8,9% في 2026″؛ وهو المعطى الذي فسّره تقرير السياسة النقدية بأنه “عاكسٌ بالأساس لاستمرار دينامية مبيعات قطاع السيارات التي من المتوقع أن تصل إلى 200 مليار درهم في 2026، وانتعاش صادرات الفوسفاط ومشتقاته التي يُرتقب أن تناهز 100 مليار بحلول السنة المذكورة”.
الأسفار والتحويلات
توقف البنك بإيجاب كبير عند “استمرار الأداء الجيد لإيرادات ومداخيل الأسفار وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج”. ومن المنتظر أن تحافظ مداخيل الأسفار على “أدائها الجيد، خاتمةً السنة (الحالية) بارتفاع قدره 9,1%، كما يتوقع أن تُواصل تحسُّنها لتصل إلى 128 مليار درهم بحلول 2026”.
أما عن “تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج” فيرتقب البنك المركزي المغربي أن “ترتفع بنسبة 4,3% مع نهاية هذه السنة”، مشددا على آفاقها الإيجابية بـ”نموّها بوتيرة سنوية تتراوح بين 3 و3,5% لتقارب 128 مليار درهم في 2026”.
ومن المتوقع أن يُنهي “عجز الحساب الجاري” سنة 2024 عند 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 0.6% متم عام 2023.
علاوة على ذلك “من المتوقع أن ترتفع مداخيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة (IDE) إلى ما يعادل 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 2.4% عام 2023”.
أما تزايد الواردات فأكد مصدر البيانات النقدية الرسمية أنه “بعد تراجعها بنسبة 2,9%، يُتوقع أن تتزايد بنسبة 4,6% في 2024 وبواقع 7,9% في 2025، قبل أن تستقر في 6% سنة 2026″، عازياً ذلك “بالخصوص إلى الارتفاع المنتظَر في مقتنيات سلع التجهيز ارتباطا بتنفيذ عدد من مشاريع البنية التحتية”.
وفي تحليله للمخاطر التي قد تنشأ عن ظرفية جيوسياسية متحركة لم يُخف “المركزي المغربي” تعوَيله على “سيناريو انخفاض” أسعار النفط العالمية، مُقدّرًا أنه “من المتوقع أن تتراجع الفاتورة الطاقية للمغرب بنسبة 6,9 هذه السنة، قبل أن تتتسم باستقرار في 2025، ثم تنحُوَ بانخفاض 4,1% في 2026 إلى ما يقارب 110 مليارات درهم”.
“أخذاً بالاعتبار التمويلات الخارجية المرتقبة للخزينة”، أجمَل تقرير السياسة النقدية أن “الأصول الاحتياطية الرسمية لبنك المغرب ستعزز، تدريجياً، لتصل إلى 400,2 مليار درهم بنهاية سنة 2026″، موضحاً أن ذلك “يمثل 5 أشهر و8 أيام من واردات السلع والخدمات”.
توازن المخاطر
“مازالت حالة عدم اليقين التي تحيط بتوقعات الاقتصاد العالمي مرتفعة، تُغذّيها السياسات المتوخّاةُ من الإدارة الأمريكية الجديدة (ترامب)، التي مازال من الصعب توقع تأثيرها بسبب الشكوك حول توقيتها وحَجمها وردود الفعل التي ستُثيرها”، يورد تقرير السياسة النقدية عند تطرقه للمخاطر الناشئة والمحتملة.
وفضلا عن “أزمة العقارات في الصين وتباطؤ الاقتصاد الألماني”، ما يشير إلى “مخاطر ضعف أو هشاشة النمو”، سجل المصدر الرسمي في إشارة جيوسياسية دالة أن “استمرار الصراع في أوكرانيا قد يفضي إلى زيادةِ إضعاف النشاط الاقتصادي العالمي وتعطيل سلاسل التوريد، لاسيما الطاقية”.
وطنياً فإن “المخاطر الرئيسة (المحورية) على النشاط الاقتصادي ترتبط بتكرار موجات الجفاف وتفاقم الإجهاد المائي على المدى المتوسط”.
وفي المقابل “تعزز الجهود التي تبذلها المملكة لتحفيز الاستثمار التفاؤل بشأن تسريع وتيرة النمو على المدى المتوسط والطويل”، يضيف خبراء البنك المركزي في نبرة طمأنة.
أما بالنسبة للتضخم “فمازالت المخاطر في اتجاه الصعود؛ فبالإضافة إلى الضغوطات الخارجية يمكن أن يؤدي الجفاف المتكرر وتفاقم الإجهاد المائي إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية، ما يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية”، يختم التقرير بنبرة تنبيه.
تعليقات
0