منذ بداية العام 2024 بات “القطاع الثالث” (السياحة والخدمات)، المشكل للدينامية الاقتصادية الأساسية في كل صيف، يتحرك نحو تحقيق “سنة استثنائية” من حيث الأرقام ومؤشرات الأداء القياسية وتجاوز “مستويات ما قبل الجائحة”، ما يعني، بحسب خبراء ومهنيين تحدثت إليهم الألباب 360، أن “خارطة الطريق تسير في الاتجاه الصحيح”.
ويرتقب أن ترتفع مساهمة القطاع السياحي، بمختلف فروع أنشطته ومكونات منظومته، في الناتج المحلي الإجمالي بحلول الأشهر المتبقية قبل نهاية السنة الجارية، خاصة مع ذروة بعض الوجهات السياحية المغربية في الخريف ونهاية السنة.
آمال اقتصادية عريضة تحملها السياحة جاءت لترصيدها الأرقام الرسمية الصادرة عن مديرية الدراسات والتوقعات المالية، التي أفادت بارتفاع عدد السياح الوافدين بـ15 في المائة إلى متم يوليوز 2024 مقارنة بالفترة ذاتها قبل سنة ليصل إلى 10 ملايين سائح (خلال شهر يوليوز فقط، بلغ عدد السياح 2,6 مليون سائح، بنمو نسبته 20%).
قطاع “النقل الجوي” الذي طالما طالبت الفعاليات المهنية السياحية بتعزيزه وتنويعه نحو وجهات عالمية، اختتم بدوره الأشهر السبعة الأولى من سنة 2024 على إيقاع الإيجابية، بتحقيق “رقم قياسي بلغ 18,1 مليون مسافر” (ارتفاع بـ18,5 في المائة مقابل الفترة ذاتها من السنة الماضية).
المديرية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، المخول لها تحليل المعلومات المالية والاقتصادية والاجتماعية وتتبع الظرفية الاقتصادية الوطنية، لفتت في أحدث نشراتها إلى أثر هذه المؤشرات في “تطور حجم ليالي المبيت التي ارتفعت بنسبة 8,4 في المائة عند متم يونيو 2024، محققة 12,7 مليون ليلة مبيت”.
وأبانت لغة الأرقام الرسمية عن مزيد من الانعكاس الإيجابي لتطور عدد السياح الوافدين على المملكة مع ارتفاع مؤشرات النقل الجوي، وهو ما يتعزز بمعطى “المداخيل السياحية” التي اختتمت الفصل الثاني من 2024 مسجلة زخما قدره “زائد 9,4 في المائة، لترفع نموها إلى 2,3 في المائة عند متم يونيو الماضي، بعد تراجع بنسبة 4,2 في المائة متم مارس الماضي”.
“أولى ثمار خارطة 2026”
تعليقا على هذه الدينامية وأثرها الاقتصادي، فضلا عن مساهمتها في تحقيق أهداف الخارطة السياحية لسنة 2026، قال حميد بن الطاهر، رئيس الكونفدرالية الوطنية للسياحة، إن العمل على تنزيل خارطة الطريق السياحية لسنة 2026 المعدة بشكل مشترك بين الوزارة والمهنيين وباقي المتدخلين، “بدأ يعطي ثماره، وهي مجهودات مقدرة بعمل جماعي”.
وأضاف ابن الطاهر، في تصريح لالألباب 360، أن “العرض السياحي المغربي عرض جيد؛ لذلك رصدنا ارتفاع عدد الوافدين وليالي المبيت المصنفة. وما يلزمنا لنكون في مستوى أهداف 2026 وكذا عند نهاية السنة الجارية، هو مزيد من بذل الجهود واستثمار وتسويق هذا العرض السياحي في تعميم خطوط الطيران المباشرة نحو وجهات جديدة وتنويعها لتشكل رافدا سياحا من مختلف الوجهات ذات قيمة إضافية”.
وأبرز رئيس الهيئة المهنية ذاتها أن “القطاع السياحي المغربي مازال يعد بالكثير، ولكنه فعلا استرجع حيوية غير معهودة منذ ما قبل مستوى الجائحة، وهو ما يستدعي تسريع مسار تفعيل خارطة الطريق التي نتجه فعلا لتحقيق أهدافها المسطرة قبل عامين”، مستدلا على ثمارها الأولى بـ”تحقق الرفع من نسبة الملء لتي تظل أحسن من سنة 2019″، مشيرا إلى أن “الأشهر المقبلة من المرتقب أن تشكل قفزة نحو رقم قياسي للوافدين وليالي المبيت، رغم استمرار التوترات الجيو-سياسية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط”.
واعتبر رئيس الـ”CNT” أن “تنويع العرض السياحي الوطني يلزم أن يواكبه عمل أكثر لربط المطارات المغربية في أسواق سياحية واعدة عبر خطوط جوية مباشرة إلى دول أمريكا اللاتينية والشمالية، فضلا عن وجهات مازالت غير مستثمرة بالشكل المطلوب في قارة آسيا (خصوصا الهند والصين الأكثر كثافة سكانية عالميا).
بخصوص الأثر الاقتصادي، يرى ابن الطاهر، متفاعلا مع سؤال لالألباب 360، أن “القطاع السياحي وما يرتبط به من خدمات متعددة الأنشطة والقطاعات يسهم في توفير فرص الشغل الجديدة القارة والموسمية على السواء”، متوقعا زيادة الأثر الإيجابي لمساهمة السياحة في رفع رصيد المملكة من العملة الصعبة بما يقوي ويزيد من حجم الناتج الإجمالي للبلاد، خاتما بأن “تنويع الأسواق يضمن مناعة القطاع ضد التقلبات الطارئة جيو-سياسيا وصحيا وغيرها من الأزمات…”.
“أرقام سارة”.. ولكن
من جهته، أكد لحسن حداد، وزير السياحة سابقا خبير استراتيجي في القطاع، أن “أرقام مذكرة الظرفية لمديرية الدراسات المالية عن أداء القطاع السياحي خلال الأشهر السبعة الأولى، حملت أخبارا سارة لمهنيي السياحة والمسؤولين عنها ومختلف مكونات منظومتها بالمغرب”.
ضمن قراءته للأرقام المعلنة، لم يخف حداد، في شروح تحليلية بسطها لالألباب 360، أن “عدد السياح مؤشر مهم، ولكن يجب أن نعرف على وجه التحديد مدى انعكاس ارتفاع الوافدين من حيث قيمتهم المضافة”، ما يجعل من مسألة المردودية السياحية اقتصاديا ذات أثر حاسم في تقييم الأداء”.
العامل الثاني الذي لفت إليه الخبير السياحي المغربي، هو “مدى رضا هؤلاء السياح على الخدمات السياحية بالمغرب في مختلف مناحي النشاط السياحي من مطاعم وفنادق بمختلف المدن والوجهات المغربية”، مشددا على أنه “إذا كسبنا ثقة ورضا هؤلاء، فإنهم سيسهمون في جذب سياح جدد لزيارة المغرب، فضلا عن رفع نسبة العود السياحي”.
واستكمل وزير السياحة الأسبق تحليله للمؤشرات الرسمية بالتأكيد على “أهمية وحتمية تدعيم ربط المغرب بالأسواق السياحية التي مازال فيها خصاص قصد تكثيف العمل عليها، فيما البلدان التي نجذب بشكل جيد سياحها، فيتعين تدعيم المكتسبات وترصيدها”.
وبعدما رصد زيادة مساهمة القطاع السياحي/الخدماتي في نمو الناتج الداخلي الإجمالي العام للمغرب، خاصة عبر آليتي التشغيل والعملة الصعبة والمداخيل، توقع حداد أن تكون سنة 2024 بحلول نهايتها وموسم أعياد الميلاد، في مستوى وصفها بـ”عام استثنائي للقطاع السياحي، نظرا لسمعة الوجهة المغربية وعوامل الاستقرار وكل مقومات التميز والجذب”، راجيا أن يتم الانتباه إلى “تجويد الخدمات في بعض المدن المغربية”.
تعليقات
0