أجرى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أول أمس، اتصالا هاتفيا مع أسعد الشيباني، وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية السورية، حيث جدد من خلاله دعم الرباط للشعب السوري ولسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، مشيرا إلى ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الخارجية والمغتربين في سوريا.
وتنطوي هذه الخطوة الدبلوماسية، حسب مهتمين، على رغبة مشتركة لدى الرباط ودمشق في تجاوز مختلف الخلافات التي أثرت على العلاقات الثنائية خلال السنوات الماضية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، مؤكدين أن التغيرات التي طرأت على المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد تفرز إمكانيات واقعية لإعادة بناء العلاقات بين البلدين على أسس مشتركة تخدم مصالحهما القومية.
وكان بوريطة أكد في تصريح صحافي، أن المغرب، وبتوجيهات من الملك محمد السادس، يتمسك دائمًا بموقف ثابت يقوم على احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لسوريا، إضافة إلى الحفاظ على وحدة شعبها.
وأشار الوزير إلى أن موقف المملكة لم يتغير، موضحًا أن المغرب يأمل أن تثمر هذه التطورات استقرارًا لسوريا، وتلبي طموحات شعبها في التنمية ومستقبل أفضل.
كما ذكّر بوريطة بأن المغرب أغلق سفارته في دمشق عام 2012، وطلب في الوقت ذاته إغلاق السفارة السورية في الرباط، في خطوة تعكس مواقفه المبدئية تجاه الأزمة السورية.
دعم مغربي نموذج تعاوني
في هذا الإطار، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “العلاقات المستقبلية بين المغرب وسوريا الجديدة تُعد فرصة استراتيجية لتعزيز التكامل العربي في مرحلة حساسة من التحولات الإقليمية. فالدعم الذي قدمه المغرب لنضالات الشعب السوري، سواء على المستوى الإنساني أو السياسي، يمكن أن يكون أساسا متينا لإقامة شراكة استراتيجية قائمة على القيم المشتركة والمصالح المتبادلة”.
وأضاف معتضد أن “هذا الدعم يعكس التزام المغرب بثوابته الدبلوماسية المتمثلة في احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها؛ مما قد يُسهل بناء جسور التواصل مع الإدارة السورية الجديدة”.
وأوضح الباحث في الشؤون الاستراتيجية: “إذا تبنت الإدارة السورية الجديدة نهجا تصالحيا وقامت بإجراءات تعزز الاستقرار الداخلي، ستجد في المغرب شريكا موثوقا قادرا على المساهمة في إعادة إعمار البلاد وتعزيز مكانتها في المنطقة، إذ إن المغرب يتمتع بخبرة في مجال الوساطات الإقليمية والدولية؛ مما يجعله قادرا على لعب دور محوري في تسهيل عودة سوريا إلى الحاضنة العربية ودعم جهودها لاستعادة الاستقرار”.
على المستوى الاقتصادي، أفاد معتضد بأن “العلاقات المغربية-السورية يمكن أن تحقق تكاملا في قطاعات حيوية مثل الفلاحة، والصناعة، والتجارة. المغرب، بموقعه الاستراتيجي كبوابة لأوروبا وإفريقيا، وسوريا بموقعها كبوابة للشرق الأوسط، يمكنهما خلق شراكات اقتصادية تعزز التنمية وتعيد بناء الاقتصاد السوري المنهك”، مبرزا أن “التعاون الثقافي والأكاديمي يُعد كذلك مجالا واعدا لتعزيز العلاقات بين البلدين، حيث يمكن تنظيم برامج تبادل أكاديمي وثقافي لتقريب الشعبين وتعزيز الروابط الاجتماعية”.
وشدد المتحدث إلى الألباب 360 على أن “الموقف المغربي تجاه الأزمة السورية اتسم بالوضوح والاتزان، حيث دعا إلى حل سياسي شامل يحترم إرادة الشعب السوري ويحفظ وحدة البلاد:، لافتا إلى أن “هذا النهج يعكس نضج السياسة الخارجية المغربية وقدرتها على التفاعل الإيجابي مع الأزمات الإقليمية؛ مما يعزز من فرص تقبل سوريا الجديدة للمغرب كشريك استراتيجي”.
وتابع بأن “عودة العلاقات الثنائية بين المغرب وسوريا تُعتبر رسالة إيجابية على المستوى الإقليمي، إذ تعزز فكرة التوافق العربي وتخفيف التوترات السياسية”، موردا أنه “على الرغم من التحديات التي قد تواجه هذه العلاقات، مثل تدخلات القوى الخارجية واختلاف الأولويات السياسية، فإن الإرادة المشتركة لتجاوز الماضي وبناء المستقبل يمكن أن تشكل دافعا قويا لتطويرها. وبالتالي، فإن التقارب بين المغرب وسوريا الجديدة لا يعزز فقط استقرار المنطقة، بل يقدم أيضا نموذجا للتعاون العربي البناء، الذي يعتمد على احترام السيادة وتعزيز المصالح المشتركة”.
دبلوماسية مغربية ومبادرات إنسانية
من جهته، أورد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “المباحثات الهاتفية بين وزير الخارجية المغربي ونظيره السوري تندرج في إطار مواقف المملكة المغربية الراسخة والثابتة في دعم الشعب السوري استنادا إلى عقيدتها الدبلوماسية المبنية على الوضوح والمسؤولية والشفافية”.
وأضاف البراق أن “المملكة المغربية كانت ولا تزال لها مواقف راسخة من الأزمة السورية، وهذه المواقف لها منطلقات محددة مرتبطة باحترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لسوريا ودعم الشعب السوري في جهوده للحفاظ على وحدته وتطلعاته في بناء مؤسساته الديمقراطية والحفاظ على مرتكزات الاستقرار وتحقيق التنمية”.
وأكد الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، في تصريح لجريدة الألباب 360 الإلكترونية، أن “أي موقف يُتخذ من طرف الخارجية المغربية في هذا الموضوع هو نتيجة عمل دبلوماسي وسياسي رصين ومسؤول”.
وبيّن المتحدث أن “المملكة المغربية، من خلال جهازها الدبلوماسي ومؤسساتها الاستراتيجية، لديها تقدير موقف واضح وقراءة عميقة وتحليل دقيق للوضع الداخلي في سوريا وطبيعة التفاعلات الجيوسياسية والتطورات الميدانية على الأرض. وعلى هذا الأساس، سيتم تطوير العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق بشكل تدريجي بما يضمن الأمن القومي للمملكة المغربية والمصالح العليا للشعب المغربي، انسجاما مع مواقف المملكة التاريخية الداعمة لحق الشعوب في السيادة والسلام والأمن والاستقرار ومكافحة التطرف بكل أنواعه وأشكاله”.
وأشار الخبير ذاته إلى أن “المغرب عبر بوضوح، منذ بداية الأحداث في سوريا، عن دعمه للشعب السوري عبر احتضان المؤتمر الرابع لمجموعة أصدقاء الشعب السوري سنة 2021 بمشاركة أكثر من 120 دولة عربية وغربية؛ وذلك بعد أسابيع من تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.
وسجل أن “المغرب اختار أن يقف إلى جانب الشعب السوري الشقيق الذي تربطه بالمملكة روابط متعددة، عبر مواقف عديدة تتجلى في دعم المبادرات الإنسانية وتقديم المساعدة للنازحين. كما عبرت الرباط عن دعمها لجهود الأمم المتحدة لحل النزاع المسلح بطريقة سلمية، مؤكدة على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين ودعم الوحدة الترابية لسوريا. كما أن جلالة الملك محمد السادس كان أول قائد عربي يقوم بزيارة مخيمات اللجوء الإنساني في منطقة الزعتري، حيث ساهم المغرب بمستشفى جراحي ميداني قدم خدمات استشفائية لصالح اللاجئين السوريين لمدة ثماني سنوات”.
تعليقات
0