لم تكد شمس أول أيام العام 2025 تغرُب حتى انتشرت “أنباء وأرقام متضاربة” جرّت سيل نقاشات كثيرة في المواقع كما الواقع بين المواطنين عن حصيلة “التسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأشخاص الذاتيين في ما يتعلق بأرباحهم بالمغرب ودخُولهم المفروضة عليها الضريبة بالمغرب”؛ وهو التدبير الجبائي الذي انتهت مهلتُه مع متم 31 دجنبر المنقضي.
وبينما لم يصدُر أي تأكيد رسمي واضح بشأن “مبالغ مالية ضخمة مُحصَّلة جرى تداول أرقام بشأنها، بعضها تتحدث عن 100 مليار درهم والأخرى عن 50 مليار درهم”، سواء عن المديرية العامة للضرائب أو وزارة الاقتصاد والمالية اللتين لم تَخرُجا –إلى حدود الساعة- بأيّ أرقام رسمية عن حصيلة “عملية التسوية الطوعية للوضعية الضريبية”، بقيَ المجال مُشرعًا أمام “تناسل” عدد من الشائعات والتهويل الذي رافق هذه العملية منذ الأسبوع الأخير لشهر دجنبر.
وحاولت جريدة الألباب 360 الإلكترونية، في مناسبتين، خلال الأيام القليلة الماضية التواصل مع المديرية العامة للضرائب، غير أنها لم تتلقَّ معطيات رسمية نهائية في هذا الصدد، أو ما يُفيد بـ”تأكيد أو نفي الأرقام” المتداولة.
وكانت مديرية الضرائب أكدت في بلاغ لها بالمناسبة أنه “يتعين على الخاضعين للضريبة المعنيين بالتسوية الطوعية، قبل نهاية دجنبر، إيداع الموجودات والإقرار المرتبط بها لدى مؤسسة الائتمان المعتمدة، باعتبارها بنكاً؛ و/أو تقديم الإقرار لدى الإدارة الجبائية وأداء المساهمة المتعلقة بالمنقولات أو العقارات أو مبالغ السلفات المدرجة في الحسابات الجارية للشركاء أو في حساب المستغل والقروض الممنوحة للغير”.
وشددت المديرية ذاتها حينها على أن “مبلغ الموجودات والنفقات المصرح بها، الذي كان موضوع أداء المساهمة المحددة بنسبة 5% من قيمة هذه الموجودات والنفقات، لن يؤخذ بعين الاعتبار خلال تصحيح أُسس الضريبة أثناء المراقبة الجبائية للخاضع للضريبة المعني بالأمر”، في محاولةٍ منها لطمأنة الأشخاص المعنيين بهذه العملية الطوعية، التي همّت “الأشخاص الذاتيين برسم أرباحهم ودخولهم المفروضة عليها الضريبة بالمغرب، التي لم يتم التصريح بها قبل فاتح يناير 2024 وتُشكّل مصدر الموجودات وتمويل النفقات: المَوجودات المودعة في حسابات بنكية، والموجودات المحتفظ بها في شكل أوراق بنكية، وكذا المنقولات أو العقارات المقتناة وغير المخصصة لغرض مهني؛ فضلا عن السّلفات المُدرجة في الحسابات الجارية للشركاء أو في حساب المستغل أو عمليات القروض الممنوحة للغير”.
“وجوب التريث”
رغم أن مديرية الضرائب في بلاغها حول التسوية الطوعية أكدت أنه “تمّ شرح هذا التدبير في الدورية عدد 735 المتعلقة بالتدابير الجبائية التي أقرها قانون المالية رقم 55-23 للسنة المالية 2024، وتمّ نشرُها بالموقع الإلكتروني الرسمي للمديرية العامة للضرائب”، إلا أن ما رافق العملية طَغتْ عليه الإشاعات التهويلية بدل المعلومة الصحيحة الرسمية؛ وهو ما أشار إليه المهدي الفقير، خبير محاسباتي ومحلل مالي واقتصادي، دعا إلى “وجوب الحذر والتريث وانتظار الأرقام الرسمية”.
واعتبر الفقير، متحدثا إلى جريدة الألباب 360 ضمن تصريح في الموضوع، أن “إجراء المساهمة الإبرائية سعى من خلاله الفاعل الحكومي إلى تحفيز وتقوية الامتثال الضريبي، بما يضمن إنجاح مسار الإصلاح الضريبي الذي وُضع إطاره العام سنة 2021″، موردا أن “عملية 2020 حينها للتسوية الطوعية للوضعية الضريبية رافقتها تحديات إبان أزمة جائحة كوفيد-19”.
وبينما أشار الخبير المالي ذاته إلى أن “التسوية الجبائية هي طوعية بالأساس رغم أنها تتراوح بين الترغيب والترهيب، وفي جوهرها تعد قراراً سياسياً له موجباته وأسبابه وليس فقط قرارا مالياً أو ضريبياً”، انتقد بشدة ما رافقها من “تأويلات ومغالطات”، واصفا إياها بأنها “جدل في حق أريد به باطل بشكل أثار بعض التمرد الضريبي عند البعض”.
وتابع المتحدث معلقاً: “ما تم تداوله أرقام غير رسمية وبعضها فلكية لم تُزكّها الإدارات المعنية والمختصة، وهي تحت مسؤولية ناشريها”، مستغرباً كيف تم تداول الرقم في يوم عطلة (فاتح يناير)، ومتسائلاً: “كيف تم الانتهاء من جمع المعطيات في أقل من 24 ساعة، بهذه الدقة والسرعة؟”.
وأبرز المحلل المالي، ضمن تعليقه لالألباب 360، أن “العملية وإنْ كانت رافقتها معطيات مغلوطة فهي تبقى خطوة على مسار تنفيذ مقتضيات واردة في القانون الإطار للإصلاح الضريبي”، مسجلا بأسف أن “بعض وسائل الإعلام الجماهيرية لم تواكب التسوية الطوعية بدورها الأساسي في التحسيس وشرح الوضع”.
“المواطَنة الضريبية”
من جانبه يتفق أنس الزويتن، رئيس اللجنة الجبائية بالمجلس الجهوي لجهة الرباط-سلا-القنيطرة لـ”هيئة الخبراء المحاسبين”، على فكرة أن “عملية تسوية الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين حول مداخيلهم وممتلكاتهم غير المصرح بها جاءت مُرفقة بكثير من الغموض، مع قصور بَيّنٍ في الشق التواصلي، بحكم أنها كانت منشورة بالجريدة الرسمية منذ أواخر دجنبر 2023، ودخلت حيز النفاذ مع تطبيق قانون مالية 2024”.
الخبير المحاسب ذاته سجل، في تصريح لـ الألباب 360، “إيجابية مسار عملية التسوية الضريبية بحكم أنها تبتغي مصالحة المغاربة مع الإدارة الضريبية وتسوية وضعية ممتلكاتهم وفق ما حدده القانون”، معتبرا أن “العملية في بعض الأحيان حادَتْ عن أهدافها بعدما تحدّثَ فيها وعنها غيرُ ذوي الاختصاص، ما أدى إلى ترهيب ضريبي لدى فئات واسعة من المُلزَمين المعنيين”.
وقال الزويتن معلقا: “الأمر كشف أهمية الفعل الضريبي المُواطِن وأهمية إقرار مواطَنَة ضريبية حقّة، يواكبها مجهود توعوي وتحسيسي كبير في مستواها ويقدّر ويثمّن أهميتها (…)؛ لأن عملية كهذه لا يمكن إلا أن تصب في المصلحة العامة/الصالح العام”.
واعتبر رئيس اللجنة الجبائية بالمجلس الجهوي لهيئة الخبراء المحاسبين بالرباط أن “الدولة بسلطاتها المالية، فضلا عن التجمع المهني لبنوك المغرب والبنك المركزي باعتباره مراقباً لعمل البنوك ومؤسسات الائتمان والأداء، مؤسسات ملزمة بتواصل شفاف وواضح حول حصيلة التسوية الضريبية الطوعية”، مؤكدا “ضرورة توعية المواطنين عامة بحقوقهم وواجباتهم الجبائية بشكل مسبق قبل أن تصبح آجالها ضاغطة”.
تعليقات
0