Advertisement
Advertisement

“سيرة ناجٍ من القرن العشرين”.. مذكرات صلاح الوديع توثق تجربة السجن

رضوان منفلوطي الخميس 9 يناير 2025 - 00:21



بعنوان “ميموزا” يكتب صلاح الوديع، الشاعر والمعتقل السياسي في “سنوات الرصاص”، سيرة الماضي والمستقبل، التي صدرت عن المركز الثقافي للكتاب فيما يقرب 600 صفحة بعنوان فرعي، هو: “سيرةُ ناجٍ من القرن العشرين”.

وتقدم هذه المذكرات مسيرة عائلة سياسية بارزة، وأسئلة حول المسار وما حدد اختياراته، وسنوات السجن، ورفاقه، “والحرية، عماد الوجود”، و”العدالة الانتقالية” في المغرب، ومسار “هيئة الإنصاف والمصالحة”، وشهاداتها، ونقاشاتها، وبعض من آلام الماضي، ومتطلبات عدم تكرار “التوحش”.

ويوثق الكتاب الجديد لحقيقة، ومسار حياة وتفكير، ورمزيات يُذهل عن تذكرها في يومي السياسة، وقصة طفولة، وخلافات الرؤى حتى داخل العائلة الصغيرة، وشهادات وذكريات مع رموز للعمل السياسي والثقافي المغربي، كما تحمل المذكرات وصية للمستقبل أيضا.

ويكتب صلاح الوديع: “ما عشتُه؛ عشته بكل جوارحي. وكان ممكنا أن أذهب ضحية ملابساته. لم أكن أحسب في أي لحظة من منعرجاته الصعبة أن سيقيض لي يوما أن أكتب عنه وأنا في هذه السن. أكتب عما عشته – ربما – حتى لا تمحوه الأيام (…) أكتب لأن لكل تجربة فرادة وقيمة في حد ذاتها، باعتبارها معيشا إنسانيا متفردا يستحق أن يُحكى إذا وجد من يحكيه، وكيف يحكيه، ولمن يحكيه. أكتب لأن الحياة ذاتها – بما هي حياة – معجزة تستحق أن تروى. أكتب ضد النسيان. النسيان الذي يهدد كل شيء”.

ومن بين ما خطه الوديع في مذكراته: “حين يستعصي عليّ فهم بعض منعرجات الحياة التي قُيّض لي أن أحياها، أو مآل إخوتي وأخواتي، أعود إلى رسائل والديّ. أعود فأدرك كُنه العهد الذي قطعناه نحن التسعة ووالدانا على أن نمشي في نفس الطريق مهما كلفنا الثمن. هو في الواقع عهد لم نتوافق عليه يوما في جلسة قرار عائلية، ولا سطرناه في كتاب ولا وضعناه في وثيقة يُمضى أسفلها”.

وتابع: “أعود لأفهم كيف كنا أسرة متراصة متكافلة، فشتتها القمع تشتيتا في البلد وخارجه، لكن دون أن يتمكن من المساس بشيفرتها السرية (…) كما حددتها والدتي في إحدى رسائلها إلى أبي السجين: “معنى الإخلاص، العطف، الجرأة، وبعد حين معنى الحب. نعم إنه الحب الخالص الذي هو النبراس والهدى” أو حينما تقول: “ما أشبه الحب بالنور الإلهي الذي يضيء ظلمات الدنيا ويخترق مجاهلها”.

ومن بين اللحظات الإنسانية، التي تحكيها المذكرات، عناق؛ “فجأة تقدم مني يريد أكثر من مصافحة. عانقني بلطف فاستجبتُ له بدون حماس زائد. هذا الشباب لم يقدم على جريمة.

وهو ليس مسؤولا عن أفعال أبيه. وقد ذاق خلال سنوات طويلة من نفس الكأس التي ذُقت منها. (…) الرجل الذي أنجب هذا الشاب الماثل أمامي هو من أمر باعتقال والدي بداية الستينيات، شيء لا أنساه. حتى إن اسم أوفقير ارتبط عند أسرتنا بصورة الشيطان. تزيد الصورة غموضا ونفورا ملامحه المحترقة خلال الحرب العالمية الثانية، والنظارات السوداء الداكنة تغطي وجهه باستمرار، فتضفي عليه مسحة إضافية من الغموض المرعب”.

ويجد القارئ في الكتاب آلاما إنسانية في جزيرة كوري بالسنغال “جزيرة العبيد”، البشر الذين استعبدهُم أوروبيون وقادهم إليها غيرُ أوروبيين، وآلام البشر في “تازمامارت” بالمغرب “هذا المكان” الذي “أصبح رمزا مشينا للقهر المطلق؛ بل للسادية المنفلتة من عقالها (…) هذه النقاط السوداء على وجه الأرض هي الدليل القاطع على إمكانية الارتداد إلى التوحش في جميع بقاع الأرض وفي كل الأزمان؛ هي التأكيد على أن العمل من أجل إقرار حقوق البشر عمل يجب أن يستمر بلا كلل ولا ملل، وأن كل فرد منا، في أي بلد وتحت أي سماء، يمكن أن يرتد في لحظة من اللحظات وفي شروط معينة إلى هذا التوحش، فما بالك إذا كان يتحكم في رافعة من روافع السلطة”.

وفي زمن التعبير الرقمي عن “السيادة المطلقة لما أصبح يعرف بنظام التفاهة”، يتحدث صلاح الوديع عن الراهن حيث “أخبار الحرب بين روسيا وأوكرانيا المستمرة منذ ما يزيد عن سنتين، والمربكة لكل الحسابات الجيوستراتيجية، وأخبار المجزرة التي ترتكبها الآلة الصهيونية في حق أبناء الشعب الفلسطيني فيما تبقى بغزة من أطلال، وفي المقدمة منهم الأطفال المرتجفون الذاهلون أو المسجون جثثا في أكفان مضرجة بطراوة دم الطفولة، وسط صمت مطبق مريب لكل دول الغرب المسماة بالعظمى، المتنكرة للقيم الإنسانية التي أسست لهيمنتها على العالم. صمت لم يقطعه إلا صراخ الناس الطيبين في شوارع العالم”.

ويترك صلاح الوديع وصية: “اعملوا على تبوؤ بلدكم مكانة تحفظ له استقلاله عن مطامع الكبار، في عالم يتغير كل يوم، بل يتزلزل كل يوم”، وهذا يتطلب “المزيد من التضامن بين كل فئات شعبنا”، وسياسات تربوية وثقافية متجددة، و”حياة سياسية حقيقية؛ يلعب فيها كل دوره تكليفا لا تشريفا”، وحرب لا هوادة فيها على الفساد، وخلق الثروة وحسن توزيعها، “والقطع مع الإفلات من العقاب”، مع “طبقة سياسية قوية في إطار ملكية دستورية برلمانية”، وتذكر “دروس الإنصاف والمصالحة” وحفظها الذي هو “ليس مجرد تدبير صاحب سياقات إنصاف الضحايا، بل هو واجب أخلاقي جماعي مستمر في الزمن، تجاه ضميرنا الجمعي، الغرض منه استرجاع دلالات تلك التضحيات، والحرص على ألا يقع ما وقع في الماضي، أبدا”.

ثم ختم وصيته بقول: “مُدّوا يد الصداقة لكل شعوب العالم. لكن تذكروا جيدا أنه ليس لنا إلا بلد واحد هو المغرب. هو أمانة في عنق كل واحد منا. من دونه لن نكون إلا أشباحا مشردين. ولا تنسوا أن تتمتعوا بالحياة. بالفن والإبداع والاكتشاف… والحب”.

Advertisement
تابعوا آخر الأخبار من قالب الفابريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من قالب الفابريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من قالب الفابريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الخميس 9 يناير 2025 - 12:38

الفنان محمد بن عبد السلام في ذمة الله

الخميس 9 يناير 2025 - 04:55

“الأوديسة” يصور مشاهد في المغرب

الخميس 9 يناير 2025 - 02:33

مريم باكوش تعود إلى ساحة الفن

الخميس 9 يناير 2025 - 01:26

المخرج الكلاعي يوقع “سوناتا ليلية”