قال المفكر المغربي سعيد ناشيد: “إننا كمغاربة، وفي شق كبير منا، تخاصمنا مبكرا مع التأمل وجعلنا منه شيئا ثانويا رغم أهميته في حقيقتنا اليومية وفي ما يعتمل فينا من مشاهد تدبر أمامنا في الحياة الاعتيادية”، مضيفا: “إننا لا نخوض هذا التمرين الروحي والذهني كما يجب؛ والقدرة على ممارسته تتطلب استحضاره في السياق المدرسي وفي بعض مؤسسات التنشئة الاجتماعية”.
ونبه المفكر المغربي الذي تحدث لالألباب 360 على هامش اليوم العالمي للتأمل، الذي يصادف 21 دجنبر من كل سنة وتحتفل به الأمم المتحدة، أن “مدارسنا فرطت في هذا العنصر وبدت وكأنها تعافه، والحال أن تملك التأمل والتدبر في الوجود والأحداث الطارئة، هو مهمة تنضج وهي ترافق الإنسان منذ صغره”، وأفاد: “علينا أن ندرب الناشئة على استثمار فترات الفراغ للتأمل وتلطيف الانفعال”.
وتابع ناشيد الذي يعد أحد عرابي “التأمل” في السياق المغربي، قائلا: “غياب التأمل يقود لأسوأ الأفكار ومن ثم لأبغض الانفعالات”، مطالبا مؤسسات التنشئة الاجتماعية بأن “تعتمد على توطينه وتقويته”، وزاد: “شخصيا، في إحدى الورشات مع الأطفال كنت أمارس جلسات للتأمل، بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكنت ألحظ الأثر وكيف نخلص الذهن من قبضة الأفكار السلبية والانفعالات المستبدة”.
وبالنسبة لصاحب “التداوي بالفلسفة”، فإن “هذا التمرين يؤازر الذات الإنسانية على امتلاك أنفاس جديدة بما ينمي ويعضد قدرتها على الحياة”، وشرح أن “التأمل يحمل معنى غربيا فلسفيا، يصير حوارا عميقا مع الذات انطلاقا من تصور عقلي خالص. كما توجد أيضا التجربة الآسيوية التي هي تجربة روحية تبتغي تهذيب النفس”، وقال: “دعوتي للمغاربة هي المزج بين التجربتين لضمان علاج شامل للأعطال التي تصيب الإنسان”.
ولفت المتحدث إلى أن “المغربي مثل أي كائن بشري آخر على وجه الأرض معرضٌ لوعكات عقلية ونفسية وروحية في تجربة الوجود والحياة”، مسجلا أن “منا من خسر المعركة في تجارب قاسية جدا وقاصمة، لكن لم ينقذه سوى الجلوس والتأمل. ولذلك، نحن في تجربتنا التاريخية نعرف أن الأولياء الصالحين الذين صعدوا الجبل، فعلوا ذلك بحثا عن التأمل في صيغته محض الروحية”.
وعند سؤاله حول الأولويات وأيهما أسمى اليوم بالنسبة للمغاربة: التأمل أم الكرامة في سياق “نيولبرالي متوحش ابتلعَ قدرة كثيرين على الاستمرار؟”، رد بأن “معركة الكرامة والعدالة والتفاوتات وغيرها من المشاكل الاجتماعية تحل في سياقات من النضال”، وقال: “يمكن للإنسان أن يستثمر ما لديه من إمكانات بدنية وجسمانية لتغييرها أو على الأقل التخفيف منها، لكنها ليست هي القدر المحتوم للإنسان المغربي”.
الألباب 360 قدمت نقاشا رائجا داخل الجماهير الشعبية ينتصر لملحاحية “الخبز في شروط كريمة”، فقال ناشيد: “في الحياة نحن نعرف أن هناك نوائب وكوارث، أو حتى مصائب لا نستطيع أن نتحكم فيها”، وأضاف: “بخصوص مشكلة الغلاء ومحق طبقات، نحن نناضل من أجل الدولة الاجتماعية، وهذا ضروري، لكنها لن تغطي كل مصائب الوجود الإنساني. نوائب الدهر يصعب التعامل معها بالحسابات الاجتماعية، لأنها شئنا أم أبينا جزء من دراما الوجود البشري ويتم التعاطي معها بشكل مختلف”.
وزاد: “علينا أن نتأمل وضعنا بشكل مستمر، فالأقدار التي لا نتحكم فيها لا تحلها نضالات اجتماعية أو سياسية أو نقابية، فأنا معرض للشيخوخة والفقر وخيبات الأمل والموت في أي لحظة”، مضيفا أن “هذه مسائل وجودية يستوعبها الإنسان بالتفكير والتأمل”، وأوضح: “القاطنون في السجون بعضهم لديه تصور للتغيير ينضج أكثر من خلال الهدوء والتأمل داخل الصمت المطلق الزنازين”.
واستدرك قائلا: “التأمل ليس نمط حياة يوميا دائما، بيد أن الإنسان المغربي مطالب بخلق مخارج يجعلها لحظات تأمل ورياضة ذهنية وروحية”، خالصا إلى أنه “بعد كل وصلة تأملية يصبح استئناف الحياة والعيش معا ممكنا وفق شروط وإمكانات جديدة؛ فحتى ونحن نكافح من داخل ديناميات مجتمعية رافضة لأوضاع محتَقرة، وغير عادلة، فالنظر بعمق يقود إلى عوالم أخرى وإلى تحفيزات فتية وخصبة”.
تعليقات
0