تساؤلات عديدة بشأن هيكلة قطاع العمل الاجتماعي، والحرص على توفر كافة المربيات والمربين المصاحبين للأشخاص ذوي الإعاقة بالمغرب على تكوين يؤهلهم ويُملكهم المعارف والمهارات اللازمة لمرافقة ومواكبة هذه الفئة، تلك التي فجّرتها المشاهد المتداولة لتعنيف مربية طفلا يعاني نقص النمو والتوحد، داخل منزل أسرته الكائن بالجديدة؛ وهي الممارسة التي “ظلّ يتعرّض لها المعني شهورا” قبل اكتشاف والديه الأمر، فمتابعتهما المربية “غير الحائزة لتكوين أو دبلوم” قضائيا.
نبيل مخاريق، والد الطفل “م.ع. م”، سرد في حديث لجريدة الألباب 360 الإلكترونية تفاصيل هذه القضية، موردا أنه وزوجته ظلاّ طيلة مدة طويلة يشهدان آثار كدمات على وجه ابنهما، البالغ من العمر عشر سنوات، وتدهورا مستمرا في حالته الصحية، فضلا عن دخوله الدوري في نوبات صرع؛ ما دفعهما إلى اصطحابه إلى طبيب مختص، مردفا: “قال إننا نحن من نوقظ هذا الصرع الثابت في ابننا، رغم أننا نحرص على جبر خاطره وتلبية كل رغباته”.
وأضاف الأب أنه وزوجته “وضعا في نونبر الماضي هاتفا لمراقبة المربية في الصالون، حيث تقدم الحصص للابن”، ليكتشفا من خلال المشاهد الملتقطة، التي اطلعت عليها الألباب 360، أنها “تضربه ضربا مبرحا على وجهه ويديه وبطنه”، وزاد: “المربية كانت تقوم بذلك طيلة سنة وأربعة أشهر، قضتها مع الطفل متواصلة، على الأقل، مستغلة عدم قدرته على النطق وكشف ما يتعّرض له”.
وأكد مخاريق للجريدة أن المربية “المعنفة” لا تتوفّر على “تكوين أو دبلوم في المجال الذي تمارس فيه”، متابعا: “ليس لديها شيء من الناحية القانونية؛ تمتلك الحرفية فقط، وطلبنا منها مصاحبة ابننا لعله يصبح قادرا على النطق، بعد توصية أسر كثيرة لنا بها”، وواصل: “لا نطيق ماديا، ونحن محدودي الدخل، تأجير مربية معتمدة، إذ لا يقل أجرها في الغالب عن 4 آلاف درهم في الشهر”.
وبمساعدة خمس جمعيات محلية عاملة في مجال الإعاقة وفي العمل الاجتماعي بشكل عام قامت أسرة الضحية بتقديم شكاية ضد “المتهمة”، وهي الآن “تنتظر ما ستتمخض عنه جلسة المحاكمة الرابعة للأخيرة، المرتقب انعقادها الأربعاء 18 دجنبر”.
ميثاق لأخلاقيات المهنة
منير ميسور، رئيس الجامعة الوطنية للعاملات والعاملين الاجتماعيين، قال إن “الجامعة تستنكر تعامل المربية غير اللائق أو المقبول إطلاقا مع الطفل الضحية”، مردفا بأن “ثمة عدة وقائع اعتداء مماثلة تحدث، ولا تتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتلقى الجامعة شكايات من الأسر بشأنها”.
وأكدّ ميسور، في تصريح لالألباب 360، أن “تعنيف العامل الاجتماعي لذوي الإعاقة مرفوض وممنوع، كيفما كانت السلوكات التي قد تبدر من الأخير خلال تعبيره عن حاجات معينة، سواء الصراخ أو العنف أو غيرهما؛ فهو لا يمكلك القدرة على الإدراك”، مضيفا أن “من لا يملك القدرة على التعامل مع هذه الفئة وأخذ خصوصياتها بعين الاعتبار يتعيّن عليه أن يقوم بتغيير الميدان”.
وأورد المتحدث ذاته أن “من بين الأسباب التي تخلق مثل هذه الممارسات ولوج كل من هب ودب هذا المجال؛ بحيث كل من لم يجد فرص عمل بات يقدم نفسه مساعدا اجتماعيا، ما يشكل خطرا كبيرا”، مشددا على أن “من يرغب في ولوج المجال ملزم بالتوفر على تكوين كاف ودراية عميقة بأخلاقيات المهنة”.
واستحضر الفاعل المهني ذاته في هذا الجانب أن “مرافقة ذوي الإعاقة تستوجب تكوينا دقيقا ومستمرا، لأنها تُنظم بطرق علمية بيداغوجية؛ وعلى سبيل المثال فإن التمكن من تحليل السلوك التطبيقي لوحده يتطلب تكوينا لا يقل عن خمس سنوات”، معتبرا أنه “من غير المقبول أن يأخذ شخصا ما دورة تكوينية من يومين فيلصق بنفسه صفة المربي المختص في المجال”.
ولفت ميسور إلى أن “الدولة بجميع قطاعاتها الوزارية مسؤولة في هذا الجانب، ولا يجب إلقاء اللوم على وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة لوحدها”، مردفا: “بما أن التعليم حق الجميع فيجب على جميع هذه القطاعات أن تنخرط في توفير تكوين لهذه الفئة مجانا، وكذلك الشأن بالنسبة للمربين”.
وأوضح المتحدث أن “الجامعة بما أنها لم تُمنح الصفة في الوقت الحالي، ولم يخرج نظامها الأساسي، فلا يمكنها تطبيق الصلاحية التي خولها لها القانون 45.18 بالإجراءات التأديبية في حق مخالفي أخلاقيات المهنة”، موردا أن “الدولة كذلك لم تقم بعد بفرض التوفر على الاعتماد بعد إجراء امتحان، كشرط للحصول على صفة مساعد أو مرب اجتماعي”.
وفي هذا السياق دعا العامل الاجتماعي ذاته إلى “التحرك لأجل إقرار ميثاق لأخلاقيات المهنة، مع تفعيل القانون 45.18 المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين، من خلال إصدار المرسوم التطبيقي له، حتى يتم تنظيم هذه المهنة، ونساهم في تقليل مثل هذه الوقائع”.
مراقبة منعدمة
من جهتها قالت صباح زمامة، رئيسة الاتحاد الوطني للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية، إن “الإشكال الذي نواجهه في المغرب هو غياب إستراتيجية منظمة لتكوين العاملين الاجتماعيين، بما يؤهلهم للتعامل مع أي سلوك يبدر من الأطفال ذوي الإعاقة الذين يرافقونهم؛ الذي يكتسي أحيانا طابع العنف”، معتبرة أن “بعض العاملين الاجتماعيين يلجؤون إلى مبادلة هذا الأخير بسلوكات غير مقبولة، وليست مبررة بأي حال”.
وأوضحت زمامة، في تصريح لالألباب 360، أن “فئة الطفل الضحية تواجه العجز مع فقدان التكفل الذاتي؛ أي القدرة على ممارسة جميع الأنشطة من أكل وشرب وحركة، إلخ، بشكل فردي، ما يجعلها تحتاج لشخص يقوم بالتكفل بها”، موضحة أن “الأخير يخرج أحيانا عن نطاقه (رشده)، فيما هناك مربون يبلغون بأنهم بصدد الانزلاق (للعنف) مع الطفل الذي يرافقونه؛ وهو أمر للأسف يحدث في العالم ككل”.
وأبرزت المتحدثة ذاتها: “في المغرب بات أي شخص قادرا على ممارسة هذه المهنة، رغم عدم توفره على تكوين وخبرة مؤهلة في المجال”، مؤكدة أن “مراقبة الدولة في هذا الميدان غائبة، ولذلك بات مفتوحا لكل من أراد ولوجه”.
وأوردت رئيسة الاتحاد الوطني للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية ضرورة “تغليظ العقوبات على المعتدين على ذوي الإعاقة ومضاعفتها بالنظر إلى أن هؤلاء لا يملكون القدرة على الإدراك وحتى الدفاع عن النفس”، موضحة أن “مسؤولية الدولة في هذا الجانب سابقة، إذ يتعيّن عليها أن تتخذ إجراءات وقائية متمثلة في مراقبة هؤلاء المربين وتكوينهم، وكذلك من يملك السلطة القانونية على الأطفال ذوي الإعاقة”، واستحضرت أن “قاضي المحاجر (القاصرين) في البلدان المتقدمة يجري زيارة كل سنة إلى منزل ذي الإعاقة، ليتأكد هل يتم توفير الأكل الجيد والحاجيات الضرورية والترفيهية له، ومراقبة ما إذا كان يتعرض للعنف من عدمه”.
تعليقات
0